هناك صيحات كثيرة و هائجة في طول البلاد الإسلامية و عرضها ،تطالب بمنع التعدد،أو تقييده ، و المنادون بذلك بعيدون كل البعد عن فهم النصوص الشرعية و تطبيقها ، فيا ليت عندهم العقل الناضج ، و التفكير الصحيح ، ليناقشوا القضايا على ضوء الواقع و المصلحة ، و الظروف الإجتماعية في ضوء النصوص الشرعية ، بل ليتهم إذا لم يفعلوا ذلك أصبحوا منصفين ، و تجردوا عن الهوى ، و التعصب ، و العاطفة، فلو فعلوا هذا أو ذاك لَمَا قلبوا الحقائق ، و لما وقفوا من التعدد موقف الحاقد المتربص ، و لَمَا تطاولوا على شريعة الله دون حياء أو خجل ، و هؤلاء الذين ينادون بالتضييق على التعدد و حصاره ، يريدون أن يضيفوا إلى النصوص شيئا جديدا ، و كأنها شحيحة أو قاصرة على وضع نظام التعدد بصورة تنا سب كل زمان و مكان .
بل قالوا : لا ينبغي أن يباح تعدد الزوجات إلا إذا كان له مبرر ، و قد أو غل بعض هؤلاء فقيدوا مبررات التعدد بأمرين لا ثالث لهما و هما :
1 . مرض الزوجة مرضا مزمنا لا يرجى برؤه .
2 . عقم الزوجة ، بشرط أن يثبت ذلك طبيا و أن يمضي عليه ثلاث سنوات فأكثر .
نقول لهؤلاء : إن هذا التقييد لا أصل له في شرع الله ، بل هو من وضع البشر ، و الويل كل الويل لمن يحكم رأيه و هواه و يقدمهما على حكم الله و يلزم الناس بذلك.
و لذا فشرع الله أحكم لأنه نزل من عند الله ، الذي يعلم ما يصلح البسر في حالهم و مآلهم ، و يكفي لهؤلاء المنادين بالتقييد أن كثيرا من الغربيين بدأوا ينادون بالتعدد كحل ناجع ، و حاسم لمشكلة الأخلاق عندهم ، و التي بدأت تستفحل خصوصا بعد أن تزايد عدد الأولاد غير الشرعين بصورة مذهلة.
و قد دل الكتاب والسنة و إجماع الأمة على جواز التعدد ، و أن للرجل أن يجمع في عصمته أكثر من زوجة ، كما دل االكتاب و السنة و إجماع الأمة على أن القدر الجائز في ذلك أربع نسوة فقط ، و ليس للرجل أن يجمع في عصمته أكثر من هذا العدد ، قال العلامة ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره : « فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره. قال الشافعي: وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة، وهذا الذي قاله الشافعي رحمه الله مجمع عليه بين العلماء » تفسير ابن كثير الجزء الأول الصفحة 450 .
و قال الإمام القرطبي المالكي بعد أن أبطل قول من أجاز أكثر من أربع : « و هذا كله جهل باللسان والسنة و مخالفة لإجماع الأمة ، إذ لم يسمع عن أحد من الصحابة و لا التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع » تفسير القرطبي الجزء الخامس صفحة 17 .
و قال العلامة ابن العربي : « قد توهم قوم قوم من الجهال أن هذه الآية تبيح للرجل تسع نسوة ، و عضدوا جهالتهم بأن التبي صلى الله عليه وسلم ، كان تحته تسع نسوة ، و قد كان تحت النبي صلى الله عليه و سلم أكثر من تسع ، و إنما مات عن تسع و له في النكاح و في غيره خصائص ليست لأحد » أحكام القرآن لإبن العربي صفحة 312.
و عند النظر نجد أن تشريع التعدد جاء في كتاب الله تعالى في آيتين في سورة النساء هما : قوله تعالى « وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا» النساء 3 و قوله تعالى « وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا » النساء 129 إن هاتين الآيتين تفيدان بمجموعهما حسب ما فهمه عامة اللمسلمين من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، إلى يومنا هذا الأحكام التالية :
1 . إباحة التعدد الزوجات ، حتى الأربع فلفظ فانكحوا ، و إن كان لفظ أمر إلا انه هنا للإباحة لا الإيجاب و على ذلك جمهور أهل العلم و هو ما نص عليه عامة المفسرين ، و لا عبرة لمن ذهب من أهل الأهواء إلى الزيادة على ألابع ، فليس لهم مستند من كتاب ، و لا سنة ، بل و لا فهم سليم لبلاغة القرآن ، و إدراك صحيح لأساليب البيان العربي .
قال الإمام القرطبي في تفسيره بعد أن فند هذه الآراء و أبطلها : « قال ذلك من بُعد فهمه للكتاب و السنة ، و أعرض عما كان عليه سلف الأمة ، وهذا كله جهل باللسان ، و السنة ، و مخالفة لإجماع الأمة ، إذ لم يسمع عن أحد من الصحابة و لا التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع » تفسير القرطبي الجزء الخامس صفحة 17 .
2 . أن التعدد مشروط بالعدل بين الزوجات فمن لم يتأكد من قدرته على العدل لم يجز له أن يتزوج بأكثر من واحدة ، لكن لو خالف و تزوج فزواجه صحيح ، لكنه آثـــم .
3 . أفادت الآية الأولى – ضمنا – اشتراط القدرة على الإنفاق على الزوجة الثانية و أولادها، ذلك في قوله تعالى « ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا» ، ألا تكثر عيالكم تفسير القرطبي الجزء الخامس صفحة 21.
4 . أفادت الآية الثانية ، أن العدل في الحب بين النساء غير مستطاع ، و أن على الزوج إلا يميل عن الأولى كل الميل ، فيذرها كالمعلقة ، لا هي ذات زوج و لا هي مطلقة ، بل عليه أن يعاملها بالحسنى ، و يتودد إليها لعله بذلك يكسب قلبها ، فتصلح حاله معها ، و قد ألمح إلى ذلك صفوة الخلق صلى الله عليه و سلم ، حيث اعتذر إلى ربه بأن هذا غاية ما يستطيعه ، و طلب منه سبحانه عدم المؤاخذة بما لا يستطيعه البشر ، اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك . رواه الأربعة، وصححه ابن حبان والحاكم، و ضعفه بعضهم .
و قد زعم بعض من لا علم لهم بالكتاب و السنة و اللسان العربي ، أن القرآن يمنع التعدد في الآيتين ذاتهما اللتين ذكرتا التعدد و هما الآيتين « وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا» « وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا » من سورة النساء ، قالوا لأن الآية الأولى « وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا» تشترط إباحة التعدد بالعدل بين الزوجات ، و الآية الثانية « وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا » تقطع باستحالة العدل بين الزوجات ، فكأن التعدد مشروط بما يستحيل إمكانه فهو ممنوع ! و هذه دعوى ساقطة فارغة من أصلها و يكفي للرد عليها أن نتبين ما يأتي :
1 . أن العدل المشروط في الآية الأولى ، هو العدل الذي يمكن للزوج أن يفعله ، و العدل المادي ،في المطعم، و المشرب، والمسكن ، و الملبس ، و المبيت ، و العدل المقطوع بعدم استطاعته في الآية الثانية ، هو العدل المعنوي ، وهو ميل القلب و ما يتبعه ، و بهذا يتبين أن العدل في الثانية غير العدل في الأولى ، فلا بد من العدل في الأولى ، و أم العدل في الثانية فقد رفع الله عن المعدد الحرج بعدم إستطاعته .
2 . الأية الثانية صريحة في المراد بالعدل ، و هو الذي لا يستطيعه المسلم ، و هو ميل القلب ، من الحب و ما يتبعه و لذا قال الله تعالى : « فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ »
3 . لو كان الأمر كما زعم هؤلاء لما كان قوله تعالى قوله تعالى « فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ » ، معنى و لا أدى إلى غرض ، بل يمنع التعدد من أصله ، و لا يبيحه بشرط .
4 . من الثابت أن الرسول صلى الله عليه و سلم ، عدد زوجاته ، و أذن لمن أسلم و تحته أكثر من أربع أن يبقي أربعا ، و يفارف الباقي ، فهل فعله هذا غير صحيح ، و هو المفسر لكتاب الله ، المشرع للأمة ؟ إن من قال بهذا القول يخشى عليه ، يقول السباعي : و لا أعتقد أن عاقلا يزعم أن الصحابة و التابعين و جماهير المسلمين خلال أربعة عشر قرنا لم يفهموا ماتين الآيتين حق الفهم ، و أن الله ادخر هذا الفهم ، إن قال أحد مثل هذا فقد حكم بنفسه على عقله المرأة بين الفقه و القانون صفحة 101، يتبع... في حلقات قادمة و لعل الوقت يتسع إن شاء الله لمزيد من البيان و الله المستعان و عليه التكلان و لا حول و لا قوة إلا بالله .
(c) WahdaCo
- Créé à l'aide de Populus.
Modifié en dernier lieu le 15.09.2010-
Déjà 3146 visites sur ce site!